الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فإن من أسباب الفلاح والنجاح في أمور الدين والدنيا أن يصارح
الإنسان نفسه ولا يلتمس لها الأعذار حتى لا يفاجئه الموت ثم يندم وحينها لا
ينفع الندم.
أخي، أخـــتي: إن فضل البكاء من خشية الله عظيم فقد جاء عن النبي
انه قال:
{ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله»، وذكر منهم: «رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه } [رواه البخاري ومسلم].
أخي، أختـــي.. سؤال يجول في داخل كثير من المقصرين ونحن جميعا
مقصرون نسأل الله أن يعفو عنا عندما نسمع آيات القرآن تتلى، أو أحاديث
الرسول
، أو أخبار السلف الصالح نجد كثيرا من الناس ممن رقت قلوبهم يبكون...
فلماذا هم يبكون ولا أبكي؟!
أحاول أن أخشع وأبكي فلا أستطيع!!
من بجانبي وأمامي وخلفي يبكون، فما السبب؟!
السبب أخي، أختي... بينه الله تعالى في قوله تعالى:
كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].
أي بسبب أعمالهم حجبت قلوبهم عن الخير وازدادت في الغفلة.
فهذا هو السبب الحقيقي في قلة البكاء من خشية الله تعالى.
يحيون ليلهم بطاعة ربهم *** بتلاوة وتضرع وسؤال
وعيونهم تجري بفيض دموعهم *** مثل انهمال الوابل الهطاللمـــــــــاذا يبكـــــون؟؟؟
ما الذي جعل هولاء يخشعون ويبكون بل ويتلذذون بذلك ونحن لا نبكي؟!
إنهم ابتعدوا عن المعاصي وجعلوا الآخرة نصب أعينهم في حال سرهم وجهرهم، عندها صلحت قلوبهم وذرفت دموعهم.
أما نحن فعندما فقدنا هذه الأمور فسدت قلوبنا وجفت عيوننا.
أخي أختي..
اعلم أن الخشية من الله تعالى التي يعقبها البكاء لا تأتي ولا تستمر إلا بلزوم ما يلي والاستمرار عليه:
1- التوبة إلى الله والاستغفار بالقلب واللسان، حيث يتجه إلى الله
تائبا خائفا قد امتلأ قلبه حياء من ربه العظيم الحليم الذي أمهله وأنعم
عليه ووفقه للتوبة..
ما أحلم الله عني حين أملهني***وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم ***ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
يا زلة كتبت في غفلة ذهبت***يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أسح دموعا لا انقطاع لها***فهل عسى عبرة منها تخلصني
وهذا الطريق يتطلب وقفه صادقة قوية مع النفس ومحاسبتها.
2- ترك المعاصي والحذر كل الحذر منها، صغيرها وكبيرها ظاهرها
وباطنها فهي الداء العضال الذي يحجب القلب عن القرب من الله، وهي التي تظلم
القلب وتأتي بالضيق.
3- التقرب الله بالطاعات من صوم وصلاة وحج وصدقات وأذكار وخيرات.
4- تذكر الآخرة، والعجب كل العجب أخي وأختي أننا نعلم أن الدنيا
ستنتهي وأن المستقبل الحقيقي هو الآخرة ولكننا مع هذا لا نعمل لهذا
المستقبل الحقيقي الدائم.
قال تعالى:
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا
مَّدْحُورًا ﴿١٨﴾ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا [سورة الإسراء:19،18].
5- العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وشرعه، وكما قال تعالى:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [سورة فاطر:28].
وكما قيل: من كان بالله أعرف كان لله أخوف.
6- ثم أوصيك بالإكثار من القراءة عن أحوال الصالحين والاقتداء بهم.
أخي وأختي...إن في أيام رمضان أيام الخير والبركة لفرص عظيمة يرجع
فيها العبد إلى ربه حين تصفد الشياطين وتفتح أبواب الخير وتكثر الطاعة فعُد
إلى ربك وتقرب منه وتوجه إليه، وتخلص من قيود المعاصي، وأسوار الخطايا،
وعندها ستجد العين تدمع والقلب يخشع.